في ظل العصر الرقمي ومع التطور الحاصل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نال المجال الدبلوماسي نصيبا من هذا التطور حيث أصبح الآن في القرن الحادي والعشرين يستخدم أدوات ووسائل التكنولوجيا الرقمية في ممارسة العلاقات الدبلوماسية والأعمال الدبلوماسية وهذا ما اطلق عليه بـ " الدبلوماسية الرقمية ".
تحولت الدبلوماسية الرقمية في السنوات الأخيرة إلى أداة قوية في سياق العلاقات الدولية حيث نجحت في تسهيل التواصل بين الدول والمنظمات الدولية، مما أتاحت الفرصة إلى الدبلوماسيين والحكومات والمنظمات الدولية من التواصل وتبادل المعلومات وتبادل الرؤى بكفاءة عالية تتحقق بأقل تكلفة زمنية وجهدا، أضافة إلى ذلك نجحت الدبلوماسية الرقمية في توسيع المدى الدبلوماسي بواسطة تفاعل الأفراد والمجتمعات من خلال استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي، حيث مكن التفاعل بين المجتمعات المختلفة من التعرف على ثقافات وتقاليد بعضها البعض، مما ساهم في تعزيز التفاهم المتبادل، أيضا التفاهم المتبادل بين المجتمعات مكن من ازدياد الثقة، مما ساهم في تعزيز التبادل التجاري والاستثمار بالتالي هذا لعب دورا مهما في تعزيز العلاقات الثقافية والاقتصادية بين الدول. ومن الجدير بالذكر أن الدبلوماسية الرقمية نجحت أيضا في تقديم الخدمات الدبلوماسية والقنصلية فقد أصبح بإمكان الدبلوماسيين والموظفين القنصلين تقديم المساعدة للمواطنين والمقيمين في الخارج بكفاءة عالية أيضا.
إلا أن استخدام التكنولوجيا الرقمية في مجال الدبلوماسية الرقمية يفتح الباب أمام العديد من القضايا القانونية بدءا من الأمن السيبراني والخصوصية نظرا إلى أنشطة غير القانونية التي تتم عبر الإنترنت تستهدف البنية التحتية الرقمية تهدد الأمان الرقمي، وصولا إلى القانون الدولي والتشريعات الوطنية المتعلقة بالتواصل والتبادل الرقمي بين الدول. إن استخدام الدبلوماسية الرقمية قد يثير تساؤلات حول كيفية تطبيق القوانين الدولية القائمة على الاتصالات والتبادل الرقمي؟ وكيفية حماية البيانات والمعلومات الحساسة والسرية التي تتم مشاركتها بين الدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين عبر المنصات الرقمية؟
جوابا على ذلك، يستلزم أن يكون هناك تعاون دولي وتنسيق بين الدول والمنظمات الدولية في إبرام المعاهدات والاتفاقيات تحدد قواعد وقوانين تنظم الدبلوماسية الرقمية لضمان الأمان الرقمي، وحماية حقوق الأفراد والحكومات والمنظمات الدولية الرقمية، ومكافحة جرائم الأمن السيبراني من خلال تحديد المسؤولية القانونية لمتورطين في جرائم الأمن السيبراني، شريطة على أن تكون هذه القواعد والقوانين مرنة قادرة على التكييف مع تطورات التكنولوجيا الرقمية. ومن المهم أيضاً أن تكون المعاهدات والاتفاقيات تشمل آليات لضمان التنفيذ الفعال والمراقبة المستمرة للالتزام، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تشكيل هيئات مراقبة دولية مستقلة مختصة بمراقبة التنفيذ المعاهدات والاتفاقيات وتقديم التوصيات لتحسين الأداء.
يتطلب أيضا أن يكون هناك تنسيق الجهود بين الدول والمنظمات الدولية مع شركات المنصات الرقمية وذلك من خلال وضع إطار قانوني يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والخصوصية. بالإضافة إلى ذلك، يجب وضع إطار تقني قوي يعتمد على أفضل الممارسات التقنية، على سبيل المثال تشفير البيانات وتطبيق إجراءات الأمان الصارمة، وتطوير نظم مراقبة الوصول والتحقق من الهوية الرقمية للأشخاص المعتمدين، هذا سيساعد في تحقيق حماية فعالة للبيانات والمعلومات الحساسة والسرية من التسريب والاختراق واستغلالها بطرق غير قانونية.
إضافة إلى ذلك، من المهم أن الدول والمنظمات الدولية يقدمون تدريبا وتوعية للدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين عن أفضل طرق التواصل والتبادل الرقمي لحماية البيانات والمعلومات الحساسة والسرية، وأيضاً تدريبهم حول مخاطر الأمن السيبراني وكيفية التعامل معها بشكل آمن.